قوله: (لا َيُؤمِنُ أَحَدُكُمْ) أي لا يتم إيمان أحدنا، فالنفي هنا للكمال والتمام، وليس نفياً لأصل الإيمان. فإن قال قائل: ما دليلكم على هذا التأويل الذي فيه صرف الكلام عن ظاهره؟ قلنا: دليلنا على هذا أن ذلك العمل لا يخرج به الإنسان من الإيمان، ولا يعتبر مرتدّاً، وإنما هو من باب النصيحة، فيكون النفي هنا نفياً لكمال الإيمان. فإن قال قائل: ألستم تنكرون على أهل التأويل تأويلهم؟ فالجواب: نحن لا ننكر على أهل التأويل تأويلهم، إنما ننكر على أهل التأويل تأويلهم الذي لا دليل عليه، لأنه إذا لم يكن عليه دليلٌ صار تحريفاً وليس تأويلاً، أما التأويل الذي دلّ عليه الدليل فإنه يعتبر من تفسير الكلام، كما قال النبي ﷺ في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "اللَّهُمَّ فَقِّههُ فِي الدِّيْنِ وَعَلِّمْهُ التَّأوِيْلَ" فإن قال قائل: في قول الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) المراد به: إذا أردت قراءة القرآن، فهل يعتبر هذا تأويلاً مذموماً، أو تأويلاً صحيحاً؟ والجواب: هذا تأويل صحيح، لأنه دلّ عليه الدليل من فعل النبي ﷺ ، فقد كان ﷺ يتعوّذ عند القراءة لا في آخر القراءة . وعليه فلا ننكر التأويل مطلقاً، إنما ننكر التأويل الذي لا دليل عليه ونسميه تحريفاً. (لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ) الإيمان في اللغة هو: الإقرار المستلزم للقبول والإذعان والإيمان وهو مطابق للشرع وقيل: هو التصديق وفيه نظر؛ لأنه يقال: آمنت بكذا وصدقت فلاناً ولا يقال: آمنت فلاناً. فالإيمان في اللغة حقيقة : إقرار القلب بما يرد عليه، وليس التصديق. وقد يرد الإيمان بمعنى التصديق بقرينة مثل قوله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) على أحد القولين مع أنه يمكن أن يقال: فآمن له لوط أي انقاد له - أي إبراهيم - وصدّق دعوته. أما الإيمان في الشرع فهوكما سبق في تعريفه في اللغة. فمن أقرّ بدون قبول وإذعان فليس بمؤمن، وعلى هذا فاليهود والنصارى اليوم ليسوا بمؤمنين لأنهم لم يقبلوا دين الإسلام ولم يذعنوا. ومحل الإيمان: القلب واللسان والجوارح، فالإيمان يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، أي أن قول اللسان يسمى إيماناً، وعمل الجوارح يسمى إيماناً، والدليل: قول الله عزّ وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) قال المفسّرون: إيمانكم: أي صلاتكم إلى بيت المقدس، وقال النبي ﷺ : (الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَعْلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وأدنْاهَا إِمَاطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيْقِ وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ) أعلاها قول: لا إله إلا الله، هذا قول اللسان. وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق وهذا فعل الجوارح، والحياء عمل القلب. وأما القول بأن الإيمان محلّه القلب فقط، وأن من أقرّ فقد آمن فهذا غلط ولا يصحّ. وقوله: (حَتَّى يُحَبَّ)(حتى) هذه للغاية، يعني: إلى أن "يُحَبَّ لأَخِيْه" والمحبة: لا تحتاج إلى تفسير، ولا يزيد تفسيرها إلا إشكالاً وخفاءً، فالمحبة هي المحبة، ولا تفسَّر بأبين من لفظها. وقوله: (لأَخِيْهِ) أي المؤمن (مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ) من خير ودفع شر ودفاع عن العرض وغير ذلك.
هو أنس بن مالك بن النضير بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار.كنيتة :أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، كناه النبي ﷺ أبا حمزة ببقلة كان يجتنبها ، ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين .قدم النبي ﷺ المدينة وهو بن عشر سنين فأتت به أمه أم سليم النبي ﷺ لما قدم فقالت له هذا أنس غلام يخدمك فقبله . كانأنسيقول: قدم رسول الله - ﷺ –المدينة وأنا ابن عشر ، ومات وأنا ابن عشرين . وكان يحثني على خدمة رسول الله - ﷺ فصحب أنسالنبي- ﷺ - أتم الصحبة ، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر ، أصيب أنس بن مالك في نهاية حياته بمرض البرص وضعف جسده، وتوفي في البصرة في السنة الثالثة والتسعين للهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك، وهو آخر من بقي من أصحاب النبي.