عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النبي ﷺ يَومَاً فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ إِنّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحفَظك، احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، إِذَاَ سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَاَ اسْتَعَنتَ فَاسْتَعِن بِاللهِ، وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّتِ الصُّحُفُ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح - وفي رواية - غير الترمذي: (اِحفظِ اللهَ تَجٍدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفْكَ في الشّدةِ، وَاعْلَم أن مَا أَخطأكَ لَمْ يَكُن لِيُصيبكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُن لِيُخطِئكَ، وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسراً)
قوله (كُنْتُ خَلْفَ النبي) يحتمل أنه راكب معه ويحتمل أنه يمشي خلفه،وأياً كان فالمهم أنه أوصاه بهذه الوصايا العظيمة. ( يَا غُلامُ) لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيراً، فإن النبي ﷺ توفي وابن عباس قد ناهز الاحتلام يعني من الخامسة عشر إلى السادسة عشر أو أقل . قال: (إني أُعَلمُكَ كَلِمَاتٍ) قال ذلك من أجل أن ينتبه لها (اِحْفَظِ اللهَ يَحفَظكَ) هذه كلمة عظيمة جليلة واحفظ تعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوم به عبادتك ومعاملاتك وتدعو به إلى الله عزّ وجل، واحفظ الله يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانه وأهم هذه الأشياء هو أن يحفظك في دينك ويسلمك من الزيغ والضلال لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله عزّ وجل هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) ، وعُلِمَ من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزّ وجل وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله عزّ وجل . الكلمة الثانية قال (احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تجَاهَكْ) ونقول في قوله: احْفَظِ اللهَ كما قلنا في الأولى، ومعنى تجده تجاهك وأمامك معناهما واحد يعني تجد الله عزّ وجل أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه ويذود عنك كل شر ولا سيما إذا حفظت الله بالاستعانة به فإن الإنسان إذا استعان بالله عزّ وجل وتوكل عليه كان الله حسبه ولا يحتاج إلى أحد بعد الله قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين ولهذا قال: (احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجَاهَكَ) . الكلمة الثالثة: "إذَا سَألْتَ فَاسْأَل اللهِ" إذا سالت حاجة فلا تسأل إلا الله عزّ وجل ولا تسأل المخلوق شيئاً وإذا قدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله عزّ وجل لو شاء لمنعه من إعطائك سؤالك فاعتمد على الله تعالى. الكلمة الرابعة: (وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ) فإذا أردت العون وطلبت العون من أحد فلا تطلب العون إلا من الله عزّ وجل، لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة بالله وتوكلت عليه أعانك، وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعتقد أنه سبب، وأن الله هو الذي سخره لك. وفي هاتين الجملتين دليل على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله، ولهذا تكره المسألة لغير الله عزّ وجل في قليل أو كثير، الكلمة الخامسة: (وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُلك) الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله عزّ وجل ونعلم أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عزّ وجل. الكلمة السادسة : (وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ) وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره، الكلمة السابعة: (رُفعَت الأَقْلامُ، وَجَفّت الصُّحُفُ) يعني أن ما كتبه الله عزّ وجل قد انتهى فالأقلام رفعت والصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله . قوله رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: (اِحفظِ اللهَ تَجدهُ أَمَامَكَ) وهذا بمعنى "احْفَظِ اللهَ تَجِدهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرِفُكَ في الشّدةِ" يعني قم بحق الله عزّ وجل في حال الرخاء وفي حال الصحة وفي حال الغنى يَعرِفكَ في الشّدةِ إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واشتدت حاجتك عرفك بما سبق لك أو بما سبق فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزّ وجل. (وَاعْلَم أَنَّ مَا أَخطَأَكَ لَمْ يَكُن ليُصيبَكَ، وَمَا أَصَابَكَ لَم يَكُن ليُخطِئُكَ) أي ما وقع عليك فلن يمكن دفعه، وما لم يحصل لك فلا يمكن جلبه، ويحتمل أن المعنى، يعني أن ما قدر الله عزّ وجل أن يصيبك فإنه لا يخطئك، بل لابد أن يقع لأن الله قدره. وأن ما كتب الله عزّ وجل أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً، فالأمر كله بيد الله،وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال: (وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ) فهذه الجملة فيها الحث على الصبر، من أجل أن ينال النصر، والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة وقوله: (وَاعْلَمْ أَن الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ) الفرج انكشاف الشدة والكرب، فكلما اكتربت الأمور فإن الفرج قريب، لأن الله عزّ وجل يقول في كتابه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء) فكل يسر بعد عسر بل إن العسر محفوف بيسرين ، يسر سابق ويسر لاحق قال الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ، قال ابن عباس رضي الله عنه "لَن يَغلُبَ عسرٌ يُسرَين" .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاببن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهرالقرشي الهاشمي، صحابي جليل , وهو ابنعم النبي ﷺ , كني بأبو العباس وهو أكبر ولده, لقب بالبحر والحبر ؛ لسعة علمه وحدة فهمه , وبترجمان القرآن ؛ لأنه فسر القرآن وبينه فأجاد وأحسن بيانه ,وفي اللغة ترجم الكلام إذا بينه ووضحه, وأبو الخلفاء وهو والد الخلفاء العباسيين ، ففي ولده كانت الخلافة العباسية،ولد والنبي ﷺ وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتي به النبي ﷺ فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين , وقيل بخمس رأى جبريل عليه السلام مرتين : وقال ابن سعد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة، قال: أرسل العباس عبد الله إلى النبي ﷺ ، فانطلق، ثم جاء، فقال: رأيت عنده رجلا لا أدري من هو فجاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بالذي قال عبد الله، فدعاه، فأجلسه في حجره ، ومسح رأسه، ودعا له بالعلم. عن ابن عباس: " أنه رأى جبريل مرتين، ودعا له النبي ﷺ مرتين. صحب النبي ﷺ ولزمه، وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوالودعا له فنال من بركة دعوته ما نال من فضل وعلم: عن ابن عمر قال: دعا رسول الله ﷺ لعبد الله بن عباس فقال: " اللهم بارك فيه وانشر منه" و عن ابن عباس قال انتهيت إلى النبي ﷺ وعنده جبريل فقال له جبريل: إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا. توفي رضي الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين ، ويقال سنة تسع وستين,وهو ابن سبعين سنة، وقيل: إحدى وسبعين سنة ،وصلى عليه محمد بن الحنفية,وقيل أنه لما ماتأقبل طائر أبيض، فدخل في أكفانه، فما خرج منها حتى دفن معه.