الأربعين النووية
نص الحديث شرح الحديث ترجمة الراوي فيديو الحديث

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : )الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا(رواه مسلم.

قوله: ( الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ) أي نصفه، وذلك أن الإيمان - كما يقولون - تخلية وتحلية . التخلية : بالطهور، والتحلية: بفعل الطاعات. فوجه كون الطهور شطر الإيمان: أن الإيمان إما فعل وإما ترك. والتّركُ تَطَهُّرٌ، والفعل إيجاد. فقوله: (شَطْرُ الإِيْمَانِ) قيل في معناه: التخلي عن الإشراك لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس) فلهذا كان الطهور شطر الإيمان، وهذا المعنى أحسن وأعمّ. قوله: (وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ) يعني قول القائل: الحمد لله يمتلئ الميزان بها، أي الميزان الذي توزن به الأعمال كما قال الله عزّ وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) قوله: (وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمدُ للهِ تَمْلآنِ - أو تَمْلأُ -) (أو) هذه شك من الراوي، يعني هل قال: تملآن ما بين السماء والأرض، أو قال:تملأ ما بين السماء والأرض. والمعنى لا يختلف، ولكن لحرص الرواة على تحرّي الألفاظ يأتون بمثل هذا. قوله: (سبحان الله والحمد لله) : فيها نفي وإثبات. النفي في قوله: "سُبْحَانَ اللهِ" أي تنزيهاً لله عزّ وجل عن كل ما لا يليق به، والذي ينزه الله تعالى عنه ثلاثة أشياء: الأول: صفات النقص، فلا يمكن أن يتصف بصفة نقص. الثاني: النقص في كماله، فكماله لا يمكن أن يكون فيه نقص. الثالث: مشابهة المخلوق. ودليل الأول قول الله عزّ وجل: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) فنفى عنه الموت لأنه نقص، وقوله: ( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ) فنفى عنه السِّنَة والنوم لأنهما نقص. ودليل الثاني: قول الله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) فخلق هذه المخلوقات العظيمة قد يوهم أن يكون بعدها نقص أي تعب وإعياء فقال: (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) . ودليل الثالث: قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) حتى في الكمال الذي هو كمال في المخلوق فالله تعالى لا يماثله. وَالحَمْدُ للهِ الحمد يكون على صفات الكمال، فالحمد هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، فتكون هذه الجملة: "سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ" فيها: نفي النقص بالأنواع الثلاثة، وإثبات الكمال. قوله: (تَملآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) والذي بين السماء والأرض مسافة لا يعلمها إلا الله عزّ وجل. وظاهر الحديث: أنها تملأُ ما بين السماء والأرض ليس في منطقتك وحدك، بل في كل المناطق. قوله: (وَالصَّلاةُ نورٌ) أي صلاة الفريضة والنافلة نور، نور في القلب، ونور في الوجه، ونور في القبر، ونور في الحشر، لأن الحديث مطلق، وجرّب تجد. قوله: (والصَّدَقَةُ) الصدقة: بذل المال للمحتاج تقرّباً إلى الله عزّ وجل. قوله: (بُرْهَانٌ) أي دليل على صدق إيمان المتصدّق. وجه ذلك: أن المال محبوب للنفوس، ولا يبذل المحبوب إلا في طلب ما هو أحب، وهذا يدلّ على إيمان المتصدق، ولهذا سمى النبي الصدقة برهاناً. قوله: (وَالصَّبرُ ضِيَاءٌ) الصبر: حبس النفس عما يجب الصبر عنه وعليه، قال أهل العلم: والصبر ثلاثة أنواع: الأول: صبر عن معصية الله: بمعنى أن تحبس نفسك عن فعل المحرّم حتى مع وجود السبب. الثاني: صبر على طاعة الله: بأن يحبس الإنسان نفسه على الطاعة. الثالث: صبر على أقدار الله: فإن الله تعالى يقدر للعبد ما يلائم الطبيعة وما لا يلائم، والذي لا يلائم يحتاج إلى صبر، بأن يحبس نفسه عن التسخّط القلبي أو القولي أو الفعلي إذا نزلت به مصيبة. وهناك مرتبة فوق الصبر وهي الرضا بأقدار الله، والرضا بأقدار الله أكمل حالاً من الصبر على أقدار الله. والفرق: أن الصابر قد تألّم قلبه وحزن وانكسر، لكن منع نفسه من الحرام. والراضي: قلبه تابع لقضاء الله وقدره، فيرضى ما اختاره الله له ولا يهمّه ، فهو متمشٍّ مع القضاء والقدر إيجاباً ونفياً. وأي أنواع الصبر الثلاثة أفضل؟ نقول: أما من حيث هو صبر فالأفضل الصبر على الطاعة، ثم الصبر عن المعصية، ثم الصبر على الأقدار، لأن الأقدار لا حيلة لك فيها . أما من حيث الصابر: فأحياناً تكون معاناة الصبر عن المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة. قوله: (وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ) ولم يقل: إنه نور، والصلاة قال : إنها نور. وذلك لأن الضياء فيه حرارة،كما قال الله عزّ وجل: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً ) ففيه حرارة، والصبر فيه حرارة ومرارة، لأنه شاق على الإنسان، ولهذا جعل الصلاة نوراً، وجعل الصبر ضياءً لما يلابسه من المشقة والمعاناة. قوله: (والقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ) القرآن هو كلام الله عزّ وجل الذي نزل به جبريل الأمين القوي على قلب النبي من عند الله تعالى، لا تبديل فيه ولا تغيير، ولهذا وصف الله تعالى جبريل الذي هو رسول الله إلى محمد بأنه قوي أمين كما قال الله عزّ وجل: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ليتبيّن أنه عليه السلام أمين على القرآن قوي على حفظه وعدم التلاعب به. هذا القرآن كلام الله عزّ وجل، تكلّم به حقيقة، وسمعه جبريل عليه السلام، ونزل به على قلب النبي . هذا القرآن الكريم هو كلام الله لفظه ومعناه، فالأمر والنهي والخبر والاستخبار والقصص كلها كلام الله عزّ وجل. إذاً هذا القرآن - الذي نسأل الله أن يجعله حجة لنا - كلام الله حقاً، تكلم به حقاً، وسمعه جبريل حقاً، ونزل به على قلب النبي حقاً، فوعاه النبي حتى إنه كان يتعجل أن يتابع جبريل لئلا يفوته شيء فقال الله عزّ وجل له: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ*إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) حيث التزم الله تعالى بجمعه وقرآنه (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي قرأه جبريل، وأضاف قراءة جبريل إلى نفسه عزّ وجل لأن جبريل رسوله إلى محمد ،فأضاف فعل جبريل إلى نفسه لأنه هوا لذي أرسله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) التزام من الله عزّ وجل أوجبه على نفسه أن يجمع القرآن، وأن يقرأه جبريل على محمد ، وأن يبيّنه . قوله: (القُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أَو عَليكَ) يكون القرآن حجة لك إذا نصحت له، ويكون حجة عليك إذا لم تنصح له. قوله: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو) أي كل الناس يخرج مبكراً في الغدوة في الصباح وهذا من باب ضرب المثل. قوله: (فَبَائِعٌ نَفْسَهُ) أي الغادي يبيع نفسه، ومعنى يبيع نفسه أنه يكلفها بالعمل، لأنه إذا كلفها بالعمل أتعب النفس فباعها. ينقسم هؤلاء الباعة إلى قسمين: معتق و موبق ، ولهذا قال: قوله: (فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا ) فيكون بيعه لنفسه إعتاقاً إذا قام بطاعة الله كما قال الله عزّ وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) يشتري نفسه أي يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله عزّ وجل، فهذا الذي باع نفسه ابتغاء مرضاة الله وقام بطاعته قد أعتقها من العذاب والنار. والذي أوبقها هو الذي لم يقم بطاعة الله عزّ وجل حيث أمضى عمره خسراناً، فهذا موبق لها أي مهلك لها. لما قسم النبي الناس بالنسبة للقرآن إلى من يكون القرآن حجة له، ومن يكون حجة عليه ذكر أن العمل أيضاً قد يكون على الإنسان وقد يكون للإنسان، فيكون للإنسان إذا كان عملاً صالحاً، ويكون عليه إذا كان عملاً سيئاً. وانظر إلى هذا الحديث: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ) يتبين لك أن الإنسان لابد أن يعمل إما خيراً وإما شراً.

هو كعب بن عاصم أبو مالك الأشعري قدم في السفينة مع الأشعريين على النبي وأسلم وصحب النبي وغزا معه وروى عنه. ويقول أبو موسى الأشعري: أن رسول الله عقد لأبي مالك الأشعري على خيل الطلب وأمره أن يطلب هوازن حين انهزمت. كان أصحاب النبي يسألونه وكان يجيب على كل سؤال بما يناسب صاحبه وسأل أبو مالك الأشعري رسول الله فقال له: ما تمام البر؟ قال: "أن تعمل في السر عمل العلانية" . لقد كان أبو مالك الأ شعري ناصحًا لله ورسوله حتى في لحظة مماته فعن شريح بن عبيد: أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين, ليبلغ الشاهد منكم الغائب, إني سمعت رسول الله يقول: "حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة" . وتوفي أبو مالك الأشعري في خلافة عمر بن الخطاب.

صوت

فيديو

الحديث (22) الحديث (24)