هِمَمُ الصحابة رضي الله عنهم عالية، فلم يقل:أخبرني بعمل أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلاثين أو ما أشبه بذلك ، بل قال: (أَخبِرنِي بِعَمَلٍٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني من النارَ) أي يكون سبباً لدخول الجنة والبعد عن النار . فقال النبي ﷺ(لَقَد سَأَلتَ عَنْ عَظيمٍ) أي والله عظيم، هذه هي الحياة، أن تدخل الجنة وتبتعد عن النار، هذا هو الفوز والفلاح، قال الله عزّ وجل: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) ولهذا وصفه النبي ﷺ بأنه عظيم، ولكن الحمد لله.قوله: (وَإِنهُ ليَسيرٌ عَلى مِنْ يَسرَهُ اللهُ عَلَيه) - اللهم يسره علينا يا رب العالمين - وصدق النبي ﷺ فإن الدين الإسلامي مبني على اليسر، قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ومبني على السمح قال النبي ﷺ لأصحابه وهو يبعثهم إلى الجهات: (يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، بَشِّروا وَلاَ تُنَفِّروا) ، (فَإِنَمَا بُعِثتُم مُيَسِّرين وَلَم تُبعَثوا مُعَسِّرين) وقال ﷺ : (إِنَّ هذا الدينُ يُسر، وَلَن يُشَاد الدينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ) فهو يسير لكن لمن يسره الله عليه، ثم شرح ذلك فقال: (تَعبُدَ اللهَ) بمعنى تتذلل له بالعبادة حباً وتعظيماً، فبالمحبة تفعل الطاعات، وبالتعظيم تترك المعاصي. (لا تُشرِك بِهِ شيئاً) أي شي يكون حتى الأنبياء، بل الأنبياء ما جاؤوا إلا لمحاربة الشرك، فلا تشرك به شيئاً لا ملكاً مقرباً،ولا نبياً مرسلاً، قال: (وَتُقيم الصَلاةَ، وَتُؤتي الزكَاةَ، وَتَصوم رَمَضَانَ،وَتَحُج البَيتَ) هذه أركان الإسلام الخمسة . ثم قال: (أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ) أبواب أي مسائل، وأبواب تستعمل في الباب الذي يفتح للداخل والخارج، وتستعمل في المسائل، ومن هذا قول العلماء في مؤلفاتهم:هذا الباب في كذا وكذا. وقول المحدثين: لا يصح في هذا الباب شيء، أي لا يصح في هذه المسألة شيء. فقوله: (أَبوَابِ الخَيرِ) أي مسائل الخير، ويجوز أن يكون المراد به الباب المعروف الذي يكون منه الدخول والخروج. (أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ) والجواب: بلى، لكن حذف للعلم به، لأنه لابد أن يكون الجواب بلى. قال: (الصَّومُ جنةٌ) أي مانع يمنع صاحبه في الدنيا ويمنع صاحبه في الآخرة. أما في الدنيا فإنه يمنع صاحبه من تناول الشهوات الممنوعة في الصوم، وأما في الآخرة فهو جُنَّةٌ من النار، يقيك من النار يوم القيامة. والصوم: التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. قوله: (وَالصَّدَقَة تُطفِىء الخَطيئَة كَمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ) الصدقة مطلقاً سواء الزكاة الواجبة أو التطوع،و سواء كانت قليلة أو كثيرة. قوله: (تُطفِئ الخَطيئَة) أي خطيئة بني آدم، وهي المعاصي. قوله: (كَمَا يُطفِئ المَاءُ النَّارَ) والماء يطفئ النار بدون تردد، فشبه النبي ﷺ الأمر المعنوي بالأمر الحسي. قوله: (وَصَلاةُ الرّجُل في جَوفِ اللَّيلِ) هذه معطوفة على قوله "الصدقة" أي وصلاة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة، وجوف الليل وسطه كجوف الإنسان. ثم تلا ﷺ : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*) تلا أي قرأ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) هذا في وصف المؤمنين، أي أنهم لا ينامون (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) إن ذكروا ذنوبهم خافوا، وإن ذكروا فضل الله طمعوا، فهم بين الخوف و الرجاء، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(من) هنا إما أن تكون للتبعيض والمعنى ينفقون بعضها، أو تكون للبيان،والمعنى ينفقون مما رزقهم الله عزّ وجل قليلاً كان أو كثيراً (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، استشهد النبي ﷺ بهذه الآية على فضيلة قيام الليل،ثم قال: (أَلاَ أُخبِرُكَ بِرَأَسِ الأَمرِ،وَعَمودِهِ،وذِروَةِ سِنَامِهِ) ثلاثة أشياء: (قُلتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: رَأَسُ الأَمرِ الإِسلام) أمر الإنسان الذي من أجله خُلِقَ، رأسه الإسلام ، أي أن يسلم لله تعالى ظاهراً وباطناً بقلبه وجوارحه. قوله: (وَعَمودِهِ الصلاة) أي عمود الإسلام الصلوات ،والمراد بها الصلوات الخمس، وعمود الخيمة ما تقوم عليه، وإذا أزيل سقطت. قوله: (وَذِروَةِ سِنَامِهِ الجِهَاد في سَبيلِ الله) ذكر الجهاد أنه ذروة السنام،لأن الذروة أعلى شيء ، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقوله: (الجهاد) يعني في سبيل الله عزّ وجل والجهاد في سبيل الله بينه النبي ﷺ أتم بيان، فقد سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: (مَن قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُليَا فَهوَ في سَبيلِ اللهِ) ثم قال: (أَلاَ أُخبِرُكَ بِمَلاك ذَلكَ كُله) ملاك الشيء ما يملك به، والمعنى ما تملك به كل هذا . (قُلتُ:بَلَى يَا رَسُول الله، قَالَ: فَأَخذ بِلِسانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَليكَ هَذا) أخذ النبي ﷺ بلسان نفسه وقال: (كُفَّ عَليكَ هَذا) أي لاتطلقه في القيل والقال، وقد تقدم قوله: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرَاً أَو ليَصمُت" فلا تتكلم إلا بخير. (قُلتُ: يَا نَبيَّ الله وَإِنَّا لَمؤاخِذونَ بِما نَتَكَلّم بِه) والمعنى:أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني أن معاذاً رضي الله عنه تعجب كيف يؤاخذ الإنسان بما يتكلم به. فقال النبي ﷺ حثاً على أن يفهم: (ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ) أي فقدتك، وهذه الكلمة يقولها العرب للإغراء والحث،ولا يقصدون بها المعنى الظاهر، وهو أن تفقده أمه،. (وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النارِ عَلى وجُوهِهم، أَو قَالَ: عَلَى منَاخِرهِم" هذا شك من الراوي) إِلا حَصائدُ أَلسِنَتِهم" أي ما يحصدون بألسنتهم من الأقوال. لما قال هذا الكلام اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن ملاك الأمر كف اللسان،لأن اللسان قد يقول الشرك، وقد يقول الكفر، وقد يقول الفحشاء، فهو ليس له حد.
هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، الأنصاري الخزرجي … و هو من الانصار … و كان له زوجتان و ولدان و بنت … وكان يكنى بأبو عبد الرحمن ،قيل ان معاذ بن جبل ولد مابين سنة 602 ميلاديا و بين سنة 607 ميلاديا و قد ولد في يثرب و هي المدينة المنورة حاليا . لقد اسلم الصحابي الجليل معاذ بن جبل و هو كان عمره ثمان عشر سنة … و شهد بدرا و شهد المشاهد كلها مع رسول الله ﷺ … و بعثه رسول الله ﷺ الى اليمن بعد غزوة تبوك ليعلم الناس هناك دين الله و يعلِّم الناس القرآن و شرائع الإسلام و يقضي بينهم ،فقدكان الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه من اكثر الصحابة علما بالحلال والحرام … كما انه قارئا جيدا للقرآن و كان زاهدا ورعا متصدقا كريما متعبدا لله مجتهدا في العبادة … و قد كان الصحابي الجليل معاذ بن جبل معلما للناس دين الله وناصحا لهم … وكان يعتبر من اكثر الصحابة علما بالفقه .